کد مطلب:280385 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:290

الدین الخاتم
أوجب الله تعالی علی نفسه فتح الطریق لعباده وهدایتهم إلیه.

فبعث سبحانه الأنبیاء والمرسلین حتی لا یكون للناس علی الله حجة بعد الرسل، ولأن مجال بحثنا هنا یبدأ من المسیرة الإسرائیلیة لنقف علی مشروع المسیح الدجال وینتهی إلی الأمة الخاتمة لنقف علی مشروع المهدی المنتظر، فإننا سنلقی هنا بعض الضوء علی المسیرة الإسرائیلیة باعتبار إنها المسیرة السابقة علی الدین الخاتم.

وبنظرة سریعة علی المسیرة الإسرائیلیة، نجد أن الدین الإلهی الذی بعث به موسی علیه السلام. نزل فی وقت بدت فیه أعمال الكفار كالحجب المتراكمة والظلمات التی بعضها فوق بعض تخنق نور المعرفة فی القلوب. وقامت فیه الحاجة الإنسانیة للأمن والطعام بالهبوط بالإنسانیة إلی درك أسفل سافلین، ویعود ذلك إلی العقائد التی رفع الشیطان أعلامها حول الأرباب المتعددة من كواكب ونجوم وأصنام وأوثان، ففی الوقت الذی كانت الإنسانیة قد اكتسبت شعورا وجدانیا من الواقع یؤثر فی سلوكها وشعورها. ویفرغ علیها طابعا خاصا. نزل الدین الإلهی علی موسی علیه السلام. لیقود بنی إسرائیل إلی صراط الله



[ صفحه 26]



الحمید ویكونوا هم بدورهم حجة علی غیرهم. ولقد أنعم الله تعالی علی بنی إسرائیل نعما عدیدة. تبدأ ببعثة موسی وهدایتهم إلی دین الله.

وتمر بنجاتهم من آل فرعون وتنتهی بإنزال التوراة وتشریع الشریعة التی تزهو بسنة اجتماعیة هی أحسن السنن وهی سنة التوحید. تأمرهم بطاعة الله ورسوله والعدل التام فی مجتمعهم وعدم الاعتداء علی غیرهم من الأمم.

وفی خیمة الاجتماع بین لهم موسی أن الأخلاق الفاضلة. تحتاج إلی عامل یحرسها ویحفظها فی ثباتها ودوامها وهذا العامل هو التوحید، وبین أن أركان المجتمع الصالح لا تثبت إلا برجال تحددهم الدعوة من صفاتهم الرسوخ فی العلم، وأخبرهم أن تفسیر أحكام الشریعة موقوفة علی هارون وبنیه [1] وفی الوقت الذی كان موسی علیه السلام یبین فیه طریق الخیر. أخبرهم بالغیب عن ربه بأنهم سیختلفون من بعده، [2] وسینحرفون [3] وسیفعلون ما یوجب لعنة الله علیهم. [4] .

ووقع ما أخبر به موسی علیه السلام، وبرزت قیادات هدفها التصارع علی الملك، وكان اختیار هذه القیادات یتم نتیجة لصفات القائد الشخصیة وأحیانا الجسمانیة، ولم یتطرق الاختیار إلی عامل الأصالة أو المركز الدینی، وتحت قیادة هذه الزعامات تسللت ثقافات عبادة العجول وغیرها من الأمم إلی بنی إسرائیل، وعندما بعث فیهم داود علیه السلام ساقهم بعیدا عن عبادة المادة ووحد الدولة، ولكن هذا الاصلاح لم یدم طویلا. فبعد سلیمان بن داود علیهما السلام انقسمت



[ صفحه 27]



الدولة إلی مملكتین لا قوة لهما ولا مهابة، كانت مملكة یهوذا فی الجنوب وعاصمتها أورشالیم، بینما كانت مملكة إسرائیل فی الشمال وعاصمتها (شكیم) ثم (السامرة)، وبین المملكتین اشتعلت الحروب والصراعات، وقامت فی كل مملكة العدید من الانقلابات طمعا فی الحكم، وكانت هذه الانقلابات تنتهی بمجازر دمویة. وفی بعضها كان الطرف المنتصر یقوم بقتل الأسرة المالكة لیقضی علی النسل الملكی فی المملكة المهزومة، وفی وسط هذا الظلام المتراكم قامت المسیرة الإسرائیلیة تحت أعلام المملكتین. بعبادة البعل وبناء المشارف لتقدیم الذبائح وصنعوا الشر وحادوا عن طریق الفطرة.

وبینما كانت المسیرة الإسرائیلیة تتخبط فی دروب الانحراف. جاء ملك آشور علی مملكة إسرائیل وقام بسبیهم (عام 721 ق). وجاء ملك بابل علی مملكة یهوذا وقام بسبیهم (عام 586 - ق م). وفی أرض السبی تغذت المسیرة الإسرائیلیة من الثقافات العنصریة. ومن عقائد لا تؤمن بما وراء الحس. ولا ینقاد أتباعها إلا إلی اللذة والكمال المادی. وفی الحی الیهودی تلبست هذه الثقافات بلباس الدین. وظهرت مقولات الأخبار التی تصف الیهود بأنهم المخصوصون بالكرامة الإلهیة لا تعدوهم إلی غیرهم. وبرروا ذلك بأن الله جعل فیهم نبوة وكتابا وملكا.

فلهم بذلك السیادة والتقدم علی غیرهم. وأخذوا من أفواه أحبارهم أن الدین الموسوی لا یعدوا بنی إسرائیل إلی غیرهم، وعلی هذا فهو جنسیة بینهم، ولما كانت هذه الكرامة والسؤدد أمر جنسی خص بنی إسرائیل، فالانتساب الإسرائیلی هو مادة الشرف وعنصر السؤدد والمنتسب إلی إسرائیل له التقدم المطلق علی غیره. وتحت قیادة الحس والمادة أصبح القوم لا یقبلون قولا إلا إذا دل علیه الحس. وأن یقبلوا كل ما یریده أو یستحسنه لهم كبرائهم من جمال المادة وزخرف الحیاة، وعلی امتداد هذا الفقه تناقضت الملكات الإنسانیة قولا وفعلا بعد أن



[ صفحه 28]



كفر أصحابها بنعمة الله، وأنتج هذا التناقض العدید من الفتن المهلكة.

ولأن هذه الفتن تقود أصحابها إلی المسیح الدجال. وقعت المسیرة إلا من رحم الله فی شراك الدجال. یقول النبی فی (ص) وما صنعت فتنة منذ كانت الدنیا صغیرة ولا كبیرة إلا لفتنة الدجال. [5] .

ومن لطف الله تعالی بعباده بعث فیهم المسیح عیسی بن مریم علیهما السلام، ولكن بنو إسرائیل كذبوه وطالبوه بأن یعید لهم الملك إن كان هو المسیح حقا، وهذه الروح الباغیة التی دبت فی قلوبهم جعلتهم یفسدون فی الأرض ویمیتوا الروح الإنسانیة وآثارها الحاكمة فی الجامعة البشریة، وكانت مقولة شعب الله المختار وأرض المیعاد أصل أصیل فی الصد عن سبیل الله. لأن الفطرة تقول بأن الأرض لله یورثها الله من یشاء من عباده، والله تعالی لا یصطفی أحدا بالاستخلاف اصطفاءا جزافا ولا یكرم أحدا إكراما مطلقا من غیر شرط ولا قید، لأن الكرامة الإلهیة لیست بذاك المبتذل السهل التناول حتی ینالها كل ناعق.

أو یحسبها كل محتال أو مختال كرامة جنسیة أو قومیة، بل یشترط فی نیلها الوفاء بعهد الله ومیثاقه والتقوی فی الدین، فإذا تمت الشرائط حصلت الكرامة وهی المحبة والولایة الإلهیة التی لا تعدوا عباده المتقین. وأثرها النصرة الإلهیة والحیاة السعیدة التی تعمر الدنیا وتصلح بال أهلها وترفع درجات الآخرة.

وفی الوقت الذی كانت الظلمات فیه بعضها فوق بعض، بعث الله تعالی رسوله محمد (ص) بالرسالة الخاتمة إلی الإنسانیة جمعاء، ولأن الإنسان كائن حی یرغب ویحس ویدرك وینفعل ویتذكر. ویتعلم ویتخیل ویفكر ویعبر ویرید ویفعل، ولأن العلاقة بین الإنسان وبیئته علاقة أخذ وعطاء وفعل وانفعال وتأثیر متبادل وصراع موصول. وهو فی تعامله



[ صفحه 29]



معها یتأثر وینفعل بشتی الانفعالات. ویعبر عن أفكاره ومشاعره باللفظ تارة وبالحركة والإشارة تارة أخری. ویكد ویسعی ویضرب فی الأرض ویندمج فی حلقات اجتماعیة، فلأجل ذلك وغیره. قامت الرسالة الخاتمة بتوجیه الغرائز والانفعالات الإنسانیة، لیتم التآلف بین العناصر المختلفة للشخصیة وتتحد ویقوی ما بینها من ارتباطات. لتسلك مسلكا واحدا نحو هدف واحد.

وعلی امتداد عهد البعثة الخاتمة، خاطب القرآن والسنة المطهرة عقل الإنسان ووجدانه. وتم إرشاده إلی معرفة الله والإیمان به، وبینت له العبادات التی تدعم صلة الإنسان بربه وتزكی نفسه وتسمو بروحه، وانطلق الخطاب إلی المجتمع فبینت الأحكام والمبادئ التشریعیة الأمور التی تنظم أمر المجتمع تنظیما عادلا متوازنا. وتخلصه من كل أسباب الصراع والانحراف وتتكافأ فیه الفرص لجمیع الناس فی حدود قدراتهم المختلفة، وأمر الشرع الحنیف برد أی اختلاف إلی الله ورسوله. قال تعالی: (وما اختلفتم فی شئ فحكمه إلی الله). [6] .

وقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). [7] وأمر الله الذین آمنوا بأن لا یكون لهم اختیار أمام اختیار الله ورسوله. قال تعالی: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضی الله ورسوله أمرا أن یكون لهم الخیرة من أمرهم ومن یعصی الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبینا). [8] وعلی هذا فمن حكم بغیر حكم الله ورسوله یكون قد وقف فی دائرة من دوائر ثلاث: دائرة الكفر لقوله تعالی: (ومن لم یحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). [9] أو دائرة الظلم. لقوله تعالی: (ومن



[ صفحه 30]



لم یحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) [10] أو دائرة الفسق لقوله تعالی: (ومن لم یحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). [11] وتحدید كل دائرة یخضع لفقه دقیق عال. فمن أراد الوقوف علیه فلیراجع كتب العلماء.

والقرآن الكریم كتاب البعثة الخاتمة. یهدی العقول إلی استعمال ما فطرت علی استعماله. وسلوك ما تألفه وتعرفه بحسب طبعها. ویحث حثا بالغا علی تعاطی العلم ورفض الجهل. فی جمیع ما یتعلق بالسماویات والأرضیات والنبات والحیوان والإنسان من أجزاء عالمنا وما وراءه من الملائكة والشیاطین وغیر ذلك. لیكون ذریعة إلی معرفة الله سبحانه وتعالی، واشترط القرآن التقوی فی التفكر والتذكر والتعقل وربط العلم بالعمل. للحصول علی استقامة الفكر وإصابة العلم وخلوصه من الأوهام الحیوانیة والإلقاءات الشیطانیة. والقرآن الكریم یتعرض بمنطقه لجمیع شؤون الحیاة الإنسانیة. ویحكم علی الإنسان منفردا أو مجتمعا صغیرا أو كبیرا ذكرا أو أنثی. ویحكم علی الحاضر والبادی والعالم والجاهل والشاهد والغائب، فی أی زمان كان وفی أی مكان كان، وجمیع المعارف الإلهیة والحقائق الموجودة فی القرآن تستند إلی حقیقة واحدة هی التوحید.

والدعوة الخاتمة لا تفرق بین أحد من رسل الله، لأن الدعوة الإلهیة للبشریة دعوة واحدة، قال تعالی: (آمن الرسول بما أنزل إلیه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بین أحد من رسله). [12] فأمرت الدعوة بالإیمان بجمیع الأنبیاء والرسل. لأن من



[ صفحه 31]



كذب نبی من الأنبیاء یكون فی الحقیقة قد كذب جمیع الأنبیاء وفرق بین الله ورسله. قال تعالی: (إن الذین یكفرون بالله ورسله ویریدون أن یفرقوا بین الله ورسله ویقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ویریدون أن یتخذوا بین ذلك سبیلا أولئك هم الكافرون حقا). [13] .

وبالجملة:

إن البعثة الخاتمة تقضی بوقوف الاستكمال الإنسانی. فعدم نسخ الدین وثبات الشریعة. یستوجب أن الاستكمال الفردی والاجتماعی للإنسان هو هذا المقدار الذی اعتبره القرآن فی بیانه وتشریعه، والقرآن كتاب لا یقبل الإبطال والتهذیب والتغییر والنسخ، وثبات الشریعة یفید بأن الحجة الدامغة قد أحاطت بالناس وهم یسیرون تحت سنة الامتحان لینظر الله إلیهم كیف یعملون، وتحت هذه السنة نفی الله الدین الإجباری بعد أن تبین للناس الرشد من الغی. قال تعالی: (لا إكراه فی الدین قد تبین الرشد من الغی فمن یكفر بالطاغوت ویؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقی لا انفصام لها). [14] .


[1] أنظر: سفر اللاويين 1 / 9، 8 / 1 - 14.

[2] المصدر السابق 26 / 3 - 8.

[3] التثنية 31 / 4 2 - 29.

[4] المصدر السابق 38 / 15 - 36.

[5] رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 69 / 24).

[6] سورة الثوري آية 10.

[7] سورة الحشر آية 7.

[8] سورة الأحزاب آية 36.

[9] سورة المائدة 44.

[10] سورة المائدة 45.

[11] سورة المائدة 47.

[12] سورة البقرة آية 285.

[13] سورة النساء آية 151.

[14] سورة البقرة آية 256.